ثلاث قصص صغيرة من السعودية

1- يوم الجمعة ذهبنا للتسوّق، هييييييييييييييييييييييييه :]

كان الوقت ليلا ً و الحركة هادئة لأن الرواتب كان موعدها السبت فالمعظم ينتظر، لم نكن نريد الذهاب بصراحة لأنّ الجوّ كان باردا ً بالفعل و لكن قلنا فلنستفد من فرصة عدم وجود زحام و سواقة مجنونة

المهمّ، وصلنا و اشترينا بعض الحاجيات، من ضمنها وسادة جديدة لهيام “تحت التهديد طبعا ً فأذعنّا صاغريْن أمها و أنا

في أثناء تجوالنا تعرّفت إلى أحد رجال المبيعات، شخص مهذّب فعلا ً ، بصراحة نسيت اسمه (كعادتي)، هو من النيبال، مسيحيّ، و هو كان من اقترب مني و بكل أدب و بدأ بتجاذب الحديث سائلا ً: “ما هي اللغة التي تتكلمون بها؟” طبعا ً هيام كان صوتها عاليا ً و تركض و تصيح و لأن ّ المكان لم يكن مزدحما ً فصوتها و حركاتها و بقية الأطفال القلائل كان واضحا

أخبرته أننا من الأردنّ و جذورنا من الشيشان. لدهشتي وجدته قد سعد بمعرفة ذلك و شدّ على يدي بقوة. أنا للحقيقة استغربت لأنّ معظم الناس هنا ، عربا ً و سعوديين لا يعلمون أين تقع الشيشان، هذا إن سمعوا بها أصلا ً (البعض لا يعلم بوجودها ، صدقا ً!) و الغالبية ممن يعرف يظن أنها بجوار أفغانستان

هذا النيباليّ تكلّم بمعرفة واضحة عن بلادي! أين تقع و الحربان “المعاصرتان” اللتين حلّتا ببلاد الشيشان و أنها جزء من الاتحاد السوفيتي و أنها حاولت الاستقلال بعد تفكك الاتحاد… سألته من أين + لم يعلم كل هذا، أجاب بأنه في بلاده الكلّ يعلم عنها! لأنها بلد مثلهم ناضل قديما ً و حديثا ً للحصول على الحرّيّة

أخبرني بأنه في السعودية منذ 17 شهرا ً، أعزب و عقد عمله ينتهي في آب و هو لن يجدّد العقد و لن يرجع أبدا ً و سيبقى في بلده، سألته لم؟ فأجاب -و للأسف كما توقعت- بسبب المعاملة السيئة و الذل الذي يلاقيه هنا، يلاقيه منا نحن، العرب!  أخبرني بأنه سيضيع فرصة العمر بقراره هذا و لكنه لا يستطيع التحمّل أكثر و أن كل نقود الدنيا لن تثنيه عن قراره

قبل أن أعرف بأنه ليس بمسلم بل مسيحيّ، كنا قد تحدثنا عن اللغات، النيباليّة، الشيشانيّة، الإنجليزيّة، و العربيّة.  أخبرني بأنه لا يعلم العربية إلا قليلا ً جدّا ً (محادثة فقط) و أنه كان متحمّسا ً لتعلّمها في البداية و لكنه بعد فترة وجيزة نفض الفكرة من جذورها و وعد نفسه بأنه لن يتعلمها أبدا

أخبرني بأن تعامل الناس في الغالب غير مريح و أنه من النادر جدّا ً أن يمرّ يوم ٌ بدون مناوشات مع الزبائن -للعلم هو يعمل في مكان يمكن وصفه بالمكان الراقي لبيع الألبسة- و لكن حتى الإدارة و المشرفون المباشرون يطالبونهم بأن يكونوا ودودين حتى لو كان الزبائن وقحين (بحسب تعبيره)

بصراحة كلامه ، نبرة صوته أشعرتني بأنه صادق و لا يبالغ و لأني أرى و أسمع ما يذكره يوميّا ً فأحسست معه و بمعاناته

بدأت في التكلم معه و حاولت أن أفسّر له أن بعض الناس قد يكونون غير لطيفي المعشر و صعبي المراس و لكن ذلك لا يعني أنهم سيئون بالضرورة و أنّ التعميم غير دقيق في مثل هذه الأحوال حاولت أن أخفّف عنه قليلا ً، كلامنا و وقفتنا لم تعجب واحدا ً من حراس الأمن -و هو عربيّ- فمرّ من أمامنا بطريقة غير مهذبة كأنه يقول للبائع بأن يذهب و ينتبه لعمله، طبعا ً ليس من اختصاص رجل الأمن ذلك و ليس له أن يغادر موقعه أصلا ً و قمت أنا بالطلب من البائع أن يساعدني في انتقاء ملابس معيّنة فقط لكي لا يقع في حرج من أيّ نوع، على كل حال المكان كان شبه فارغ أصلا ً و لا داعي ل”حركات” رجل الأمن.

تجاذبنا أطراف الحديث بعدها و أخبرته بأن اللغة العربيّة لغة ثرية و جزلة و لكنه كان يهز رأسه عند أي تطرّق للعربية أو للإسلام و يقول بأني أتحدّث هكذا لأني لطيف و أن ما رآه من الويل في الأشهر الفائتة لا يمكن أن يغيّره شيء! (أول خروج له من بلده كان لهنا، السعودية

بصراحة أحزنني الموقف تماما ً و لا أزال أفكر فيه

أخبرته بأني سأعود لأراه قبل سفره و تمنيت له حظا ً طيّبا ً، أخبرني بموعد التنزيلات القادمة و أنه كان بودّه مساعدتي في انتقاء الحاجيات و لكن الحديث أخذه

2-عندما هممنا بالخروج رأيت شابّين مصرييْن ينتقيان ملابس للأطفال و مازحتهما قائلا ً بأنه لا خبرة لديهما، ضحكا و أخبراني بأنهما أعزبان و ينويان الذهاب في إجازة قريبا ً و لهذا يتبضعان. سألتهما عن الوضع في مصر و للأسف وقتها كانت كافة أشكال الاتصال معدومة و كانا قلقيْن طبعا ً و لكن أحسست بتفاؤلهما.  الله ينصر كل مظلوم مقهور

3-بطريقي بصلاة العشاء (أكتب ليلة الأحد) سمعت شخصا ً يتكلّم عبر جهازه النقال، واضح أن لهجته مصرية… كان يتحدّث بصوت عال ٍ و يكرّر (مش سامعك، مش سامعك كويّس) .. استطعت أن ألتقط كلمات من مثل: إسعاف، تكسير، الحزب، ربنا ياخدهم، ربنا على المفتري، الله معكم… و كان صوته يعلو و يعلو و بنبرة حزينة تماما ً! و الله ليلتها و بعد الخروج من المسجد لم أستطع الاهتداء إلى مكان سيارتنا! كنت في منطقة سكننا القديم قبل سنة و أعلم المنطقة و لكن بالفعل ظللت حوالي 20 دقيقة أبحث عنها! أخذني كلام الرجل و رحت أفكّر لو أني مكانه و في الغربة و بعيد عن أهلي و مدينتي، ماذا سأفعل؟ ماهي أفكاري ساعتها؟ … ما / كيف / متى / … الخ

لا أدري لماذا و لكن و لغاية كتابتي لهذه السطور لا أستطيع انتشال “و خلق الإنسان ضعيفا ً” من رأسي!

تصبحون على خير و هناء و … حرّيّة!

20 responses

  1. السلام عليكم
    تدري أخي ان ما حدث معك جعلني أتأمل وكأني أعيش معاناة هذا الرجل، حقا ما أصعب أن يقتنع الإنسان بعد حين أن كل من يتحدث العربية هو سيء صعب جدا أن يكون له موقف حتى من اللغة بذاتها..
    أسال الله أن يصلح الأحوال.

    Like

    • و عليكم السلام
      و الله معك حق أخي أبا حسام

      آمين على دعائك
      و شكرا ً لمرورك

      Like

  2. المخده هاي انا جبتها لفروحه اول ما انولدت قبل سنتين و كتبت عنها….فاااااااااااااااا برضك تقليد لا تنكر

    المشكله ان العماله الوافده المعظم الا من رحم ربي بتعامل معهم على انهم بشر و انا مش احسن منهم , بكره هالتصرفات اللي ما الها داعي و لا مقبوله لا دينيا ولا اجتماعيا

    الله يعين اخوانا المصريين بعد الاشي اللي بتسمى خطاب او كلمه اللي سم فيها بدنهم اللي ما يتسمى 😦

    القصه الثالثه هي السبب الرئيسي لكرهي لفكرة الغربه و خصوصا بعد حدوث حالات وفاة بالعيله عنا…..مجرد التفكير انك بعيد و ما بتقدر توصل جدا مدمره كانت

    Like

    • – المخدة: مضطر أبحبش بمدونتك تا أتأكد و يا ويلك إذا … 🙂

      – الله يعينهم فعلا ً و يعينّا كلنا

      – …إلا اللي أمرّ منه يا ويسبر 😦 – البعد عنجد قاس! 😦

      Like

  3. السلام عليكم

    ثلاث قصص مضمونها مثل ماتفضلت ” وخلق الانسان ضعيفا” للاسف ماستغربت
    من رد فعل النيبالي … وللاسف كانت السعودية هي اول دول يزورها من بعد بلده

    وبالنسبة لحال مصر الله مع الجميع

    Like

    • و عليكم السلام
      إن شاء الله ييجي اليوم اللي ما نحكم فيه على الآخرين
      من خلال جوازات سفرهم أو فقرهم
      🙂
      إن شاء الله

      Like

  4. اليوم رحنا نتغدى في المركز التجاري و في احد المطاعم كان في عامل واحد فقط يخدم مايزيد عن 9 و يجري هنا و هناك للحاق بالطلبات قبل الاذان و تعال اسمع الالفاظ و السب اللي سمعه منهم و والله انه لم يرد على احد فيهم, ماعرف بسبب اوامر عليا او بسبب ادبه او بسبب همومه. هل ذكرت انه مصري الجنسية !! كنت واقفة انظر له و افكر لما تجيك السباب من هنا و هنا و انت ربما كل عقلك و مشاعرك مع اهلك في مصر, كيف راح يكون وضع الشخص ؟؟
    والله لاالومهم على فكرتهم السيئة عنا. احب بلدي لكن الحق يجب ان يقال نحن من اسوء الشعوب العربية في التعامل , لكن الحق اننا سيئون حتى مع بعضنا البعض
    😦

    و الله يخليلكم هيومه القمر يارب
    🙂

    Like

    • و الله يا وفاء -و أعلم أنك تدركين هذا- لم يكن القصد اللمز و لا التعميم
      و لكن للأسف تكرار المشاهدات ترهق الروح!

      😦

      Like

  5. اجمل شيء في هذا الحياه هي ألام وأم ألام بلاشك هوالوطن الوطن اجمل أنتمأ وأدفا سكن بدون وطن انت لاتعني شيء وطني وطني وطني أحبك بل أعشقك فمن لم يجرب لذة الشوق الى الوطن فاته شيء جميل مهما كتبت فلن ولن اوفي للوطن
    احبك ياوطن

    Like

  6. حبيت هالبوست ذكرني بأشياء قديمه
    وبالنسبه للمعاملة في السعودية لسا امبارح سامعه حكاية عن أخت صاحبتي وزوجها في السعودية وكيف انضحك عليهم بعقد عمل وروحوا وهم لسا ما وصلوا!!
    لو تشوف المراسل المصري عنا بالشغل!!
    وجهو ما بيتفسر من النكد!!
    الله بيعين

    Like

  7. hi, Mr. haitham

    first, i would like to ask question” is there any diffrent between people” second” if there can you tell me

    i know you did not understand me but please try to answer>

    Like

  8. فعلا وأنا خطر على بالي نفس الشي. لو واحد مصري مغترب وزوجته وأولاده في مصر كيف سيكون حاله؟ عموما هذا جهاد والله يعينهم بس الحرية غالية وإلها ثمن!
    وعلى قصة العامل فللأسف إحنا اسمنا مسلمين بس في ناس أخلاقهم أبعد ما تكون عن الإسلام. ربنا سبحانه وتعالى قال لسيد الخلق أنك لو كنت فظا غليظا لانفضوا من حولك، فما بالك بهذا الشخص وهو يواجه ويتعامل مع هؤلاء الناس؟! أكيد رح يطفش!
    بس على فكرة كما يبدو فأنت ما شاء الله اجتماعي جدا:)

    Like

    • أهلا ً رنا
      شكرا ً لتعليقك 🙂
      أن نضع أنفسنا مكان ال”آخر” شيء جميل و لكن صعب التطبيق!

      *إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق

      ** مو اجتماعي “جدا ص” بصراحة ، قبل كم سنة فقط كنت انطوائيا ً لدرجة كبيرة
      🙂

      Like

  9. مرحبا هيثم:
    بالنسبة للقصة الأولى فمعاملة العمالة الوافدة هي هي في كل بلاد الخليج وبتذكر وأنا صغيرة في الكويت كيف أولاد الجيران كانوا يعاملوا السواق الهندي بكل حقارة ويسبوه والمسكين متحمل الله اعلم كيف حاله في بلاده وأغلب أهل البلد هيك على فكرة .. وشوف هالنيبالي ما قدر يتحمل المعاملة بده يرجع بأي ثمن!
    وبالنسبة للأخوة في مصر اله يعينهم والله احنا زيهم قلقانين وبنستنا بفارغ الصبر الفرج القريب..

    Like

    • أهلا ً كيالة
      للأسف هي القاعدة و ليس الاستثناء
      و بصراحة في الأردن -بلدنا- نقوم بهذا أيضا ً، صح؟ 😦
      ما أصعب التحمل لهذه التصرفات، لو مو مضطرين كان و الله بيقتلونا قتل!

      و الله ينصر إخواننا المصريين و الجميع و يصبرهم

      Like

  10. يعني مشاوير كلها وجعة راس بس هيومة الكسبانة منها
    الله يخليها

    بالنسبة للمعاملة
    هادا الوضع الطبيعي – في ناس محملة حالها جميلة و شايفة انها ملكت المحل باللي فيه لو اجت تشتري شي
    و طبعا هادا بعتبروا برستيج مو اكتر
    و طبعا الفكرة السائدة بتتاخد عن العرب و المسلمين انهم كلهم ناس بدهم حرق
    انا ما بلوم الناس اللي شافوا الوجه البرستيجي منا على تفكيرهم بس بلوم الناس اللي عم تعتبر حالها شي مهم كتير و ما بتقدر انسانية اللي قدامها
    و شجاع انو فكر يترك و ما يرجع و لو على حساب حياتوا المادية في كتير ناس ما بتقدر على هيك قرار صاروخي بصراحة

    الله يعين المغتربين المصريين بصراحة
    بقطعوا القلب و هم بحاولا يسمعوا صوت اهلهم
    او اي خبر عن اولادهم و قلبهم على نار

    شيشاني : اجا الصبح و الحرية ما وصلت
    شو نعمل ..
    فكرك ننطر و الا خلص

    Like

    • شايفة بالله – هيام اللي كسبتها عرأيك 🙂

      الله يعين الناس اللي تفكيرهم/تصرفاتهم هيك و يعين الآخرين عليهم!

      الصبح سيتبعه صباحات أخرى إن شاء الله
      و محكومون بالأمل 🙂
      لأنه فعلا ً كفانا! صح؟

      Like

Leave a reply to Haitham Al-Sheeshany Cancel reply