ثلاث قصص صغيرة من السعودية

كنت حابب أعرض بعض الصور / مقاطع مسجّلة لآثار المطر الغزير الذي انهمر طوال الفترة الماضية هنا و لكن “أحداث” الرياض المطريّة مؤخرا ً طغت على كل أمر مماثل 🙂

أحببت أن أشارككم ب 3 قصص حدثت معي مؤخرا ً، هي بسيطة و “يوميّة” السّمة في معظم تفاصيلها؛ و لكني للآن أفكّر فيها!

1-    الصيف الماضي و قبل سفرنا في إجازة أردْت دفع بعض الفواتير مسبقا ً لكيلا يتم ّ فصل خدمات مثل الكهرباء / الهاتف / الإنترنت عنّا، يمكن عمل ذلك ببساطة عن طريق بطاقة الصرّاف الآلي و هي ميّزة ممتازة هنا في السعودية – يمكنك استعمال أي جهاز ATM  و ليس بالضرورة البنك الذي تتعامل معه فقط. المهم، للأسف قام الجهاز بسحب بطاقتي و لم أتمكّن من إتمام العملية. كان ذلك يوم ثلاثاء و سفرنا يوم الخميس الذي يليه، و عندما استفسرت أخبروني بأن عملية استرجاع البطاقة تأخذ 3 أيام عمل! فنسيت الموضوع على أن أتابعه حال عودتنا.  إجازتنا كانت لمدّة شهرين و عندما عدنا قمت بالاستعلام حول كيفية استرجاع البطاقة فأخبروني بأنه عليّ دفع ثمن بطاقة جديدة – بدل تالف / فاقد- حتى لو لم يكن الخطأ من قِبَلي في فقدها (بالمناسبة اتضح أنها غير مفقودة بل موجودة و لكن … و لكن! دائما ً فيه “لكن”) طبعا ً بعد أخذ و رد طويليْن أخبرني مدير فرع البنك بأن السجلات لا تشير لوجود بطاقة – كذب صفيق!- أو أنّ قاعدة البيانات قامت بإلغاء عملية تقييد السحب، ربّما لأن ّ فترة شهرين طويلة نسبيا ً و يبدو أنّ خطأ ً ما قد حدث (كلام عقلاني يا عمّي).

طبعا ً توسّلت إليه أن يحترم ذكائي 🙂 و لكن (برضو لكن!)، المهمّ، ضرب معي العقل الشيشاني الزرقاوي -lethal combination by the way-  و رفضت دفع المبلغ و أصبحت كل معاملاتي عن طريق الإنترنت.

قبل أسبوع تقريبا ً قمت بتجديد إقامتي و كان عليّ الذهاب إلى البنك لأجدّد تفعيل حسابي، مررْت على الموظف المختصّ و استفسرت منه عن كيفية دفع بعض الفواتير فأخبرني بأن أدفعها بواسطة بطاقة الصرّاف الآليّ فأخبرته بالقصّة “المحزنة” من بداي تها. ما كان منه إلا أن طلب منّي الانتظار قليلا ً و بعض بضعة دقائق أعطاني بطاقة جديدة! أخبرني بأن بطاقتي كانت موجودة منذ فترة طويلة و ببساطة قام بتفعيلها من جديد و كأنّ شيئا ً لم يكن.

أحسست بالامتنان الشديد له طبعا ً، بصراحة أوّل شخص في وظيفة حكوميّة مذ أتيّت إلى هنا يتعامل معي بمهنيّة عالية. شكرته بحرارة و أخبرته بأني حاولت استرداد البطاقة أكثر من مرّة و لكن بلا جدوى، ابتسم و قال لي : “عادي” 🙂

2-    من فترة كنت عرضت سيّارتي للبيع و هناك شابّ صغير أراه بشكل شبه يوميّ في المسجد القريب من البيت يسألني كلّما رآني عن السيّارة و عن مواصفاتها، هل بيعت أم لا، كم أطلب ثمنا ً فيها، الخ … عمره لا يتعدّى ال 12 سنة على أبعد تقدير!

Lancer 2005 btw 😛

بعد فترة سألته لم هو مهتمّ لهذه الدرجة بالسيّارة، فأجاب بأنّ والده وعده بشراء سيّارة “صغيرة” لكي يتدرّب عليها في حال ما حصل على معدّل عال ٍ هذه السنة. (سيارة أمثالي أصبحت وسيلة للتدرّب!)، مرّة أخرى: الولد عمره أقل من 18!

في يوم من الأيّام و بينما كنت راجعا ً للبيت سيْرا ً على الأقدام رآني الشابّ و ركض إليّ مسرعا ً و هو يتساءل: “ليش بتمشي على رجولك؟(على رجليك يعني)، السيارة مالها شَيْ” ضحكت و ضحكت و أجبته بأنّي أحيانا ً ما أترك السيّارة عند المسجد و أعود مشيا ً كنوع من الرياضة.

كان خائفا ً من أني بعتها و إنها “راحت عليه” و ما استرعى انتباهي هو شدّة تعجّبه من أني أمشي للبيت – مع أن المسافة قريبة -، بدا ذلك له ضربا ً من الجنون.

كلما حاولت أن أقنعه بأن أباه يضحك عليه و يشاغله ليس إلا، فشلت! هو متيقن تماما ً بأن والده سيلبّي طلبه و أنّ عليه أن يبحث عن سيّارة مناسبة.

سألته مرّة إذا ما كان يعرف القيادة فأجاب أنه يقود سيلرة الأب أحيانا ً و (ياما عمل حوادث)!

المهمّ أنني لم أعد أراه مؤخرا ً، ربما لأنّ موعد الاختبارات المدرسيّة قد حان. أظنّ أنّه سيهرع إليّ حالما يفرغ من أدائها و معه والده لكي يحصل على جائزته.

 

مسألة قيادة الصغار للسيّارة هنا عاديّة بل و أقل من عاديّة! و لكن ّ هذا إدراج ٌ ليوم آخر

3-    ذهبت لشراء بطاقة إعادة شحن -بناء ً على أوامر عسكرية من الزوجة- و قمت بدفع الثمن و هممت بالخروج، و إذ بشخص -غير الذي باعني- يسألني إذا ما قمت بالدفع أم لا. ابتسمت و قلت له: “لا، لم أدفع. و هايني بدّي أهرب”. كان واضحا ً بأني أمزح معه و لكنه لسبب ما ثارت ثائرته و قام بالتلفظ بكلمات غير لطيفة و كذا عنصريّة في وجهي.

بصراحة لم أتمالك نفسي و نهض رجل الكهف من قمقمه الداخليّ و لوّح بهراوته شبه الغليظة! و نزلت -أو انحدرت- إلى مستواه و قامت خناقة متوسّطة الحجم و التأثير.

اتضح فيما بعد أن الشخص فسّر محاولة هذري بأنها استهزاء ٌ به (عذر أقبح من ذنب؟!) و بأني حاولت الاستعلاء عليه و محاولة جعله يبدو كشخص محبّ للنقود و غير ذلك من الترهات!

الذي لفت نظري في الموضوع -بعد حين- هو الكيفيّة التي يمكن لنا أن نفهم الآخر بطريقة مغلوطة تماما ً، كيف أن التواصل الإنسانيّ يمكن له في ثوان ٍ معدودة أن ينقلب إلى لا تواصل بكل معنى الكلمة. شيء غريب فعلا ً ، اختلاف الثقافة و مستوى + نوعيّة التعبير له مدى و دلالة بعيدة واسعة.

القصص الثلاث انتهت، تصبحون على خير 🙂

8 responses

  1. الله يهدي الاهالي كل يوم قريب عند بيتنا اسمع تفحيط وطبعا كلهم اللي يسوقون صغار !!! وهمهم بس التسلية

    الظاهر الولد عنده موبايل لان ابوه وعده بالسيارة 🙂 اللي اعرفه الاهالي اذا يبغون ولدهم يجيب درجات ممتازة في مثل هذا العمر يقولون له اذا نجحت بشتري لك موبايل حتى لو كان في صف اولى ابتدائي ؟!؟

    Like

    • عندو موبايل، مهو بداية التعارف الحقيقيّ بيننا كان عندما اتصل بي ذات يوم يسألني عن السيّارة، كنت داخل المسجد و وجدته بانتظاري عند السيارة! 🙂

      Like

  2. بانسبة للقصه الاولى شكرا اله كتير الموظف اللي ساعدك, بس انا بكرة بس نوصل لمرحله انّا نستكتر خير اللي بقوم بواجبه صح 🙂
    يعني واجبهم انّهم من البدايه يحلولك المشكله
    بس لانّا تعودنا عالخطأ شفنا الاشي الصح كتير كبير

    Like

    • طيب و بالنسبة للقصتين اللي ظلوا؟ ! أكيد زعلوا من تطنيشتك يا ويسبر
      🙂

      معك حقّ؛ الصح صار نادر لدرجة الاستغراب لمّا نلاقيه أمامنا.

      Like

    • إييييييييييييه ، ما عندك فكرة يا هيثم عن ال”قصص” اللي لقيتها هون
      🙂

      Like

  3. Pingback: Tweets that mention ثلاث قصص صغيرة من السعودية « Observations of a tired sOul. -- Topsy.com

Leave a comment